ربما يخطو وزير الخارجية الأميركي جون كيري الآن على مسار النجاح. فعلى رغم من الصعاب لا تزال المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية على قيد الحياة؛ ولا يزال الاتفاق الأميركي - الروسي بشأن إزالة أسلحة سوريا الكيماوية سارياً؛ كما أن المعاهدة الأمنية بين الولايات المتحدة وأفغانستان أصبحت شبه نهائية. ولكن على رغم ذلك، ما زال الشك هو سيد الموقف فيما يتعلق بمحاولة عقد اجتماع تحت رعاية الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا. وفي الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى مؤتمر «لندن 11» - الذي يمثل المجموعة الأساسية من دول أصدقاء الشعب السوري - بدا كيري عازماً على الدفع لعقد جولة جديدة من الاجتماعات في جنيف، ربما في مطلع الشهر المقبل. وقد يكون ذلك خطأ. فعلى مر التاريخ، كانت مؤتمرات السلام جيدة في أحد أمرين: إما كبداية، أو كنهاية ذات مصداقية لمفاوضات سلام. أما التفكير في عقد اجتماع آخر على عجل في جنيف - حيث إن الأول عقد في يونيو 2012- فمن غير المرجح أن يحقق أياً من الهدفين. ولكي تكون أمامها أية فرص للنجاح، ينبغي على المحادثات تلبية شرطين يبدو أنهما ما زالا بعيدي المنال: أولًا، يجب أن يكون هناك تفاهم أميركي - روسي أن الأسد سيترك السلطة. ثانياً، يجب أن تكون هناك معارضة موحدة، تضم الجماعات التي تقاتل، وأن تكون ممثلة في المؤتمر بشكل كامل. ومع ذلك، فإن عقد مؤتمر من دون الاستعداد له بشكل جيد من شأنه أن يؤدي فقط إلى المزيد من إضعاف المعارضة ودعم للأسد. إن شعور كيري بالأهمية الملحة لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا أمر مفهوم. فالصراع بمثابة كارثة أخلاقية وإنسانية واستراتيجية، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات، تسبب في أكثر من 100 ألف قتيل، ووجود 2,5 مليون لاجئ - مع ملايين من المشردين داخل البلاد - بالإضافة إلى تدمير مناطقة واسعة من البلاد. إن فكرة أن الحل السياسي بإمكانه إنهاء هذه الحرب الوحشية هي فكرة مقنعة. وعلى رغم ذلك، فإن التفكير في إمكانية إنجاز عملية سياسية ناجحة هو ضرب من الخيال. لقد تدفق الكثير من الدماء لجعل النظام والمعارضة المنقسمة يقتنعان بفداحة الصراع العنيف (على رغم أن المذبحة لم تكن كافية لإجبار المجتمع الدولي المنقسم، والمنشغل والمهتم بمصالحه الشخصية للتدخل على نحو فعال). وفي أحسن الأحوال، فإن عقد اجتماع آخر سيؤدي فقط إلى المزيد من الكلام. والأسوأ، في هذه اللحظة، أن الروس ينظرون إلى اجتماع جنيف على أنه وسيلة للحفاظ على الوضع القائم، وليس لإحداث تحول حقيقي. لقد كان الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا، والذي أجبر الأسد على بدء التخلي عن أسلحته الكيماوية، تقدماً إيجابياً، ولكنه لم يمتد لتطلعات الشعب السوري الأخرى. وكأن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو صفقة الأسلحة الكيماوية لتجنب القيام بعمل عسكري، وهو الهدف الذي يشاركها فيه بوتين. وفي الوقت نفسه، فقد كان بوتين عازماً على مساعدة الأسد على تعزيز موقفه. فالعملية المعقدة والطويلة لإزالة أسلحة سوريا الكيماوية جعلت النظام يكسب مزيداً من الوقت. وقد أذعنت الولايات المتحدة، في مقابل ما يمكن تفسيره على أنه مبادلة القضاء على الأسلحة الكيماوية في سوريا مقابل بقاء الأسد في السلطة! وفي الواقع، هناك دلائل تشير إلى أن روسيا، في أعقاب الاتفاق، ربما زادت من شحنات أسلحتها إلى سوريا، وبالإضافة إلى ذلك، ليس هناك ما يدل على أن روسيا تبحث عن بدائل للأسد. فبالنظر إلى دعمها للنظام، ومليارات الدولارات التي تمسك بها روسيا في صورة ديون سورية وعقود حكومية، فمن المعقول أن نعتقد أن أي حكومة تالية ستمنح روسيا هذا الموقف المتميز الذي تتمتع به حالياً في سوريا. كما أن هناك أيضاً مسألة الجماعات المسلحة التي ستشارك في المحادثات. فالنظام السوري لديه ميزة أنه موحد، ومع دعم روسيا وإيران، سيكتسب المزيد من المكاسب عن طريق المفاوضات. ولكن المعارضين منقسمون. والمجموعة الرئيسة الخارجية، وهي الائتلاف الوطني السوري، والتي تعمل مع تركيا، هي المفضلة لدى الولايات المتحدة. ولكنها مجرد واحدة من العديد من المنظمات المعارضة. والقوى الحقيقية تتمثل في قوات المعارضة التي تقاتل داخل البلاد. وبعض هذه القوى مقبول للغرب، في حين أن البعض الآخر، ذو النزعة «الجهادية» الأكثر تطرفاً، ليس كذلك. وما لم يتم تمثيل الجماعات المقبولة التي تقوم بالقتال، فلن تكتسب المفاوضات الشرعية بالنسبة للشعب السوري وستفشل في تشكيل حكومة انتقالية موثوقة. وينبغي على كيري أن يتذكر أن قسم الطبيب القديم أبقراط - أولًا أن أفعل ما لا يضر - ينطبق أيضاً على الدبلوماسية. فقبل أي شيء جوهري يمكن أن يتحقق من خلال المفاوضات، هناك بعض الشروط الأساسية الواجب توافرها أيضاً، بما في ذلك التوصل لتفاهم مع روسيا بأن الغرض هو بدء عملية انتقال بعد حكومة الأسد؛ والتزام واضح بإمداد المعارضة بمزيد من الأموال والمساعدات العسكرية والتدريب، ووجود ممثل للمعارضة الموحدة. إن عقد مؤتمر من دون هذه المبادئ التوجيهية من شأنه المخاطرة بجعل الأمور أسوأ من خلال إضفاء الشرعية على نظام قاتل وإظهار المعارضة منقسمة ومفككة. وإذا فشل مؤتمر جنيف الثاني، فمن غير المرجح أن يعقد مؤتمر آخر في أي وقت قريب. ومن ثم فإن مصير سوريا لن يتقرر على طاولة المفاوضات في سويسرا بل على ساحات قتال لحرب أهلية شرسة ودموية ولا نهاية لها. من ناحية أخرى، أبلغ وزير الخارجية السوري وليد المعلم المبعوث الدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي أن بلاده ستشارك في مؤتمر جنيف2 شرط أن يجري بين السوريين فقط، بينما أكدت فصائل إسلامية معارضة للنظام السوري رفضها حضور المؤتمر، معتبرة أنه «لم ولن يكون خياراً أو مطلباً للشعب السوري»، بل «حلقة في سلسلة مؤامرات للالتفاف على ثورة الشعب وإجهاضها». آرون ديفيد ميلر ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»